سورة المؤمنون - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (39) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)}
قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ} يعنون الرسول. إلا رجل {افْتَرى} أي اختلق. {عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ. قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ} تقدم. {قالَ عَمَّا قَلِيلٍ} 40 أي عن قليل، و{ما} زائدة مؤكدة. {لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ} 40 على كفرهم، واللام لام القسم، أي والله ليصبحن. {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} في التفاسير: صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة واحدة مع الريح التي أهلكهم الله تعالى بها فماتوا عن آخرهم. {فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً} أي هلكى هامدين كغثاء السيل، وهو ما يحمله من بالي الشجر من الحشيش والقصب مما يبس وتفتت. {فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي هلاكا لهم. وقيل بعدا لهم من رحمة الله، وهو منصوب على المصدر. ومثله سقيا له ورعيا.


{ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44)}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي من بعد هلاك هؤلاء. {قُرُوناً} أي أمما. {آخَرِينَ} قال ابن عباس: يريد بنى إسرائيل، وفي الكلام حذف: فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم. {ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها} {مِنْ} صلة، أي ما تسبق أمة الوقت المؤقت لها ولا تتأخره، مثل قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. ومعنى {تَتْرا} تتواتر، ويتبع بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا. قال الأصمعي: وأترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا، إلا أن بين كل كل واحد وبين الأخر مهلة.
وقال غيره: المواترة التتابع بغير مهلة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {تترى} بالتنوين على أنه مصدر أدخل فيه التنوين على فتح الراء، كقولك: حمدا وشكرا، فالوقف على هذا على الالف المعوضة من التنوين. ويجوز أن يكون ملحقا بجعفر، فيكون مثل أرطى وعلقى، كما قال:
يستن في علقى وفي مكور ***
فإذا وقف على هذا الوجه جازت الإمالة، على أن ينوي الوقف على الالف الملحقة. وقرأ ورش بين اللفظتين، مثل سكرى وغضبى، وهو اسم جمع، مثل شتى وأسرى. وأصله وترى من المواترة والتواتر، فقلبت الواو تاء، مثل التقوى والتكلان وتجاه ونحوها.
وقيل: هو من الوتر وهو الفرد، فالمعنى أرسلناهم فردا فردا. النحاس: وعلى هذا يجوز {تترا} بكسر التاء الأولى، وموضعها نصب على المصدر، لان معنى {ثُمَّ أَرْسَلْنا} واترنا. ويجوز أن يكون في موضع الحال أي متواترين. {فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً} أي بالهلاك. {وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ} جمع أحدوثة وهى ما يتحدث به، كأعاجيب جمع أعجوبة، وهى ما يتعجب منه. قال الأخفش: إنما يقال هذا في الشر {جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ} ولا يقال في الخير، كما يقال: صار فلان حديثا أي عبرة ومثلا، كما قال في آية أخرى: {فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19]. قلت: وقد يقال فلان حديث حسن، إذا كان مقيدا بذكر ذلك، ومنه قول ابن دريد:
وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعى


{ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ} تقدم. ومعنى {عالِينَ} متكبرين قاهرين لغيرهم بالظلم، كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 4] {فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا} الآية، تقدم أيضا. ومعنى {مِنَ الْمُهْلَكِينَ} أي بالغرق في البحر.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9